فصل: حرب حاطب ثم كانت الوقعة المعروفة بحاطب‏‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 يوم النباج وثيتل

قال أبو عبيدة‏:‏ غزا قيس بن عاصم المنقري ثم التميمي بمقاعس وهم بطون من تميم وهم صريم وربيع وعبيد بنو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد وغزا معه سلامة بن ظرب الحماني في الأحارث وهم بطون من تميم أيضًا وهم حمان وريعة ومالك والأعرج بنو كعب بن سعد فغزوا بكر بن وائل فوجدوا اللهازم وهم بنو قيس وتيم اللات ابناء ثعلبة بن عكاشة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ومعهم بنو ذهل ابن ثعلبة وعجل بن لجيم وعنزة بن أسد بن ربيعة بالنباج وثيتل وبينهما روحةٌ فأغار قيس على النياح ومضى سلامة إلى ثيتل ليغير على من بها‏.‏

فلما بلغ قيس إلى النباج ومضى سلامة إلى ثيتل ليغير على من بها‏.‏

فلما بلغ قيس إلى النباح سقى خيله ثم أراق ما معهم من الماء وقال لمن معه‏:‏ قاتلوا فالموت بين أيديكم والفلاة من ورائكم فأغار على من به من بكر صبحًا فقاتلوهم قتالًا شديدًا وانهزمت بكر وأصيب من غنائمهم ما لا يحد كثرة‏.‏

فلما فرغ قيس من النهب عاد مسرعًا إلى سلامة ومن معه نحو ثيتل فأدركهم ولم يغز سلامة على من به فأغار عليهم قيس أيضًا فقاتلوه وانهزموا وأصاب من الغنائم نحو ما أصاب بالنباج وجاء سلامة فقال‏:‏ أغرتم على من كان لي فتنازعوا حتى كاد الشر يقع بينهم ثم اتفقوا على تسليم الغنائم إليه ففي ذلك يقول ربيعة بن طريف‏:‏ فلا يبعدنك الله قيس بن عاصم فأنت لنا عزٌّ عزيزٌ ومعقل وأنت الذي حرّبت بكر بن وائل وقد عضّلت منها النباج وثيتل وقال قرة بن زيد بن عاصم‏:‏ أنا ابن الذي شقّ المرار وقد رأى بثيتل أحياء اللهازم حضّرا فصبّحهم بالجيش قيس بن عاصم فلم يجدوا إلاّ الأسنّة مصدرا سقاهم بها الذيفان قيس بن عاصم وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا على الجرد يعلكن الشكيم عوابسًا إذا الماء من أعطافهنّ تحدرّا فلم يرها الراؤون إلاّ فجاءةً يثرن عجاجًا كالدواخن أكدرا وحمران أدّته إلينا رماحنا فنازع غلًا في ذراعيه أسمرا ثيتل بالثاء المثلثة المفتوحة والياء المسكنة المثناة من تحتها والتاء المثناة من فوقها‏.‏

 يوم فلج

قال أبو عبيدة‏:‏ هذا يوم لبكر بن وائل على تميم‏.‏

وسببه أن جمعًا من بكر ساروا إلى الصعاب فشتوا بها فلما انقضى الربيع انصرفوا فمروا بالدو فلقوا ناسًا من بني تميم من بني عمرو وحنظلة فأغاروا على نعمٍ كثير لهم ومضوا وأتى بني عمرو وحنظلة الصريخ فاستجاشوا لقومهم فأقبلوا في آثار بكر بن وائل فساروا يومين وليلتين حتى جهدهم السير وانحدروا في بطن فلج وكانوا قد خلفوا رجلين على فرسين سابقين ربيئة ليخبراهم بخبرهم إن ساروا إليهم‏.‏

فلما وصلت تميم إلى الرجلين أجريا فرسيهما وسارا مجدين فأنذرا قومهما فأتاهم الصريخ بمسير تميم عند وصولهم إلى فلج فضرب حنظلة بن يسار العجلي قبته ونزل فنزل الناس معه وتهيأوا للقتال معه ولحقت بنو تميم فقاتلتهم بكر بن وائل قتالًا شديدًا وحمل عرفجة بن بحير العجلي على خالد بن مالك بن سلمة التميمي فطعنه وأخذه أسيرًا‏.‏

وقتل في المعركة ربعي بن مالك بن سلمة فانهزمت تمي وبلغت بكر بن وائل منها ما أرادت ثم إن عرفجة أطلق خالد بن مالك وجز ناصيته فقال خالد‏:‏ وجدنا الرفد رفد بني لجيم إذا ما قلّت الأرفاد زادا هم هم ضربوا القباب ببطن فلجٍ وذادوا عن محارمهم ذيادا وهم وهم منّوا عليّ وأطلقوني وقد طاعوعت في الجنب القيادا أليس هم عماد الحيّ بكرًا إذا نزلت مجلّلة شدادا وقال قيس بن عاصم يعير خالدًا‏:‏ لو كنت حرًّا يا ابن سلمى بن جندل نهضت ولم تقصد لسلمى ابن جندل فما بال أصداء بفلجٍ غريبة تنادي مع الأطلال‏:‏ يا لابن حنظل صوادي لا مولّىً عزيزٌ يجيبها ولا أسرةٌ تسقي صداها بمنهل وغادرت ربعيّا بفلجٍ ملحّبًا وأقبلت في أولى الرعيل المعجّل توائل من خوف الرّدى لاوقيته كما نالت الكدراء من حين أجدل يعيره حيث لم يأخذ بثأر أخيه ربعي ومن قتل معه يوم فلج ويقول‏:‏ إن أصداءهم تنادي ولا يسقيها أحد على مذهب الجاهلية ولولا التطوير لشرحناه أبين من هذا‏.‏

 يوم الشيطين

قال أبو عبيدة‏:‏ كان الشيطان لبكر بن وائل فلما ظهر الإسلام في نجد سارت بكر قبل السواد وبقي مقايس بن عمرو العائذي بن عائذة من قريش حليف بني شيبان بالشيطين‏.‏

فلما أقامت بكر في السواد لحقهم الوباء والطاعون الذي كان أيا كسرى شيرويه فعادوا هاربين فنزلوا لعلع وهي مجدبة وقد أخصب الشيطان فسارت تميم فنزلوا بها وبلغت أخبار خصب الشيطين إلى بكر فاجتمعوا وقالوا‏:‏ نغير على تميم فإن في دين ابن عبد المطلب يعنون النبي أن من قتل نفسًا قتل بها فنغير هذه الغارة ثم نسلم عليها فارتحلوا من لعلع بالذراري والأموال ورئيسهم بشر بن مسعود ابن قيس بن خالد فأتوا الشيطين في أربع ليال والذي بينهما مسيره ثماني ليالٍ فسبقوا كل خبر حتى صبحوهم وهم لا يشعرون فقاتلوهم قتالًا شديدًا وصبرت تميم ثم انهزمت فقال رشيد بن رميض العنبري يفخر بذلك‏:‏ وما كان بين الشيّطين ولعلعٍ لنسوتنا إلاّ مناقل أربع فجئنا بجمعٍ لم ير الناس مثله يكاد له ظهر الوديعة يطلع بأرعن دهمٍ تنسل البلق وسطه له عارضٌ فيه المنيّة تلمع صبحنا به سعدًا وعمرًا ومالكًا فظلّ لهم يومٌ من الشرّ أشنع وذا حسبٍ من آل ضبّة غادروا بجريٍ كما يجري الفصيل المفزّع تقصّع يربوعٌ بسرّة أرضنا وليس ليربوع بها متقصّع ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكتب إلى بكر بن وائل على ما بأيديهم‏.‏

الشيطان بالشين المعجمة والياء المشددة المثناة من تحتها وبالطاء المهملة آخره نون‏.‏الأنصار لقب قبيلتي الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان لقبهم به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما هاجر إليهم ومنعوه ونصروه وأم الأوس والخزرج قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد ولذلك يقال لهم أبناء قيلة‏.‏

وإنما لقب ثعلبة العنقاء لطول عنقه ولقب عمرو مزيقياء لأنه كان يمزق عنه كل يوم حله لئلا يلبسها أحد بعده ولقب عامر ماء السماء لسماحته وبذلك كأنه ناب مناب المطر وقيل لشرفه ولقب امرؤ القيس البطريق لأنه أول من استعان به بنو إسرائيل من العرب بعد بلقيس فبطرقه رحبعم ابن سليمان بن داود عليه السلام فقيل له البطريق وكانت مساكن الأزد بمأرب من اليمن إلى أن أخبر الكهان عمرو بن عامر مزيقياء أن سيل العرم يخرب بلادهم ويغرق أكثر أهلها عقوبةً لهم بتكذيبهم رسل الله تعالى إليهم‏.‏

فلما علم ذلك عمرو باع ما له من مال وعقار وسار عن مأرب هو ومن تبعه ثم تفرقوا في البلاد فسكن كل بطن ناحية اختاروها فسكنت خزاعة الحجاز وسكنت غسان الشام‏.‏

ولما سار ثعلبة بن عمرو بن عامر فيمن معه اجتازوا بالمدينة وكانت تسمى يثرب فتخلف بها الأوس والخزرج ابنا حارثة فيمن معهما وكان فيها قرىً وأسواق وبها قبائل من اليهود من بني إسرائيل وغيرهم منهم قريظة والنضير وبنو قينقاع وبنو ماسلة وزعورا وغيرهم وقد بنوا لهم حصونًا يجتمعون بها إذا خافوا‏.‏

فنزل عليهم الأوس والخزرع فابتنوا المساكن والحصون إلا أن الغلبة والحكم لليهود إلى أن كان من الفطيون ومالك ابن العجلان ما نذكره إن شاء الله تعالى فعادت الغلبة للأوس والخزرج ولم يزالوا على حال اتفاق واجتماع إلى أن حدث بينهم حرب سمير على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

 ذكر غلبة الأنصار على المدينة وضعف أمر اليهود بها وقتل الفطيون

قد ذكرنا أن الإستيلاء كان لليهود على المدينة لما نزلها الأنصار ولم يزل الأمر كذلك إلى أن ملك عليهم الفطيون اليهودي وهو من بني إسرائيل ثم من بني ثعلبة وكان رجل سوء فاجرًا وكانت اليهود تدين له بأن لا تزوج امرأة منهم إلا دخلت عليه قبل زوجها وقيل‏:‏ إنه كان يفعل ذلك بالأوس والخزرج أيضًا‏.‏

ثم إن أختا لمالك بن العجلان السالمي الخزرجي تزوجت فلما كان زفافها خرجت عن مجلس قومها وفيه أخوها مالك وقد كشفت عن ساقيها‏.‏

فقال لها مالك‏:‏ لقد جئت بسوء‏.‏

قالت‏:‏ الذي يراد بي الليلة أشد من هذا أدخل على غير زوجي‏!‏ ثم عادت فدخل عليها أخوها فقال لها‏:‏ هل عندك من خبر قالت‏:‏ نعم فما عندك قال‏:‏ أدخل مع النساء فإذا خرجن ودخل عليك قتلته‏.‏

قالت‏:‏ افعل‏.‏

فلما ذهب بها النساء إلى الفطيون انطلق مالك معهن في زي امرأة ومعه سيفه فلما خرج النساء من عندها ودخل عليها الفطيون قتله مالك وخرج هاربًا فقال بعضهم في ذلك من أبيات‏:‏ هل كان للفطيون عقر نسائكم حكم النصيب فبئس حكم الحاكم حتّى حباه مالك بمرشّةٍ حمراء تضحك عن نجيعٍ قاتم ثم خرج مالك بن العجلان هاربًا حتى دخل الشام فدخل على ملك من ملوك غسان يقال له أبو جبيلة واسمه عبيد بن سالم بن مالك بن سالم وهو أحد بني غضب بن جشم بن الخزرج وكان قد ملكهم وشرف فيهم وقيل‏:‏ إنه لم يكن ملكًا وإنما كان عظيمًا عند ملك غسان وهو الصحيح لأن ملوك غسان لم يعرف فيهم هذا وهو أيضًا من الخزرج على ما ذكر‏.‏

فلما دخل عليه مالك شكا إليه ما كان من الفطيون وأخبره بقتله وأنه لا يقدر على الرجوع فعاهد الله أبو جبيلة ألا يمس طيبًا ولا يأتي النساء حتى يذل اليهود ويكون الأوس والخزرج أعز أهلها‏.‏ثم سار من الشام في جمع كثير وأظهر أنه يريد اليمن حتى قدم المدينة فنزل بذي حرضٍ وأعلم الأوس والخزرج ما عزم عليه ثم أرسل إلى وجوه اليهود يستدعيهم إليه وأظهر لهم أنه يريد الإحسان إليهم فأتاه أشرافهم في حشمهم وخاصتهم‏.‏

فلما اجتمعوا ببابه أمر بهم فأدخلوا رجلًا رجلًا وقتلهم عن آخرهم‏.‏

فلما فعل بهم ذلك صارت الأوس والخزرج أعز أهل المدينة فشاركوا اليهود في النخل والدور ومدح الرمق بن زيد الخزرجي أبا جبيلة بقصيدة منها‏:‏ وأبو جبيلة خير من يمشي وأوفاهم يمينا وأبرّهم برًّا وأع ملهم بهدي الصالحينا أبقت لنا الأيّام وال حرب المهمّة تعترينا كبشًا له قرنٌ يع ضّ حسامه الذكر السّنينا فقال أبو جبيلة‏:‏ عسل طيب في وعاء سوء وكان الرمق رجلًا ضئيلًا فقال الرمق‏:‏ إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه‏.‏

ورجع أبو جبيلة إلى الشام‏.‏

حرض بضم الحاء والراء المهملتين وآخره ضاد معجمة‏.‏

 

حرب سمير

ولم يزل الأنصار على حال اتفاق واجتماع كان أول اختلاف وقع بينهم وحرب كانت لهم حرب سمير‏.‏

وكان سببها أن رجلًا من بني ثعلبة من سعد بن ذبيان يقال له كعب بن العجلان نزل على مالك بن العجلان السالمي فحالفه وأقام معه‏.‏

فخرج كعب يومًا إلى سوق بني قينقاع فرأى رجلًا من غطفان معه فرسه وهو يقول‏:‏ ليأخذ هذا الفرس أعز أهل يثرب‏.‏

فقال رجل‏:‏ فلان‏.‏

وقال رجل آخر‏:‏ أحيحة بن الجلاح الأوسي‏.‏

وقال غيرهما‏:‏ فلان بن فلان اليهودي أفضل أهلها‏.‏

فدفع الغطفاني الفرس إلى مالك بن العجلان‏.‏

فقال كعب‏:‏ ألم أقل لكم إن حليفي مالكًا أفضلكم فغضب من ذلك رجل من الأوس من بني عمرو بن عوف يقال له سمير وشتمه وافترقا وبقي كعب ما شاء الله‏.‏

ثم قصد سوقًا لهم قبا فقصده سمير ولازمه حتى خلا السوق فقتله‏.‏

وأخبر مالك بن العجلان بقتله فأرسل إلى بني عمرو بن عوف يطلب قاتله فأرسلوا‏:‏ إنا لا ندري من قتله‏.‏

وترددت الرسل بينهم وهو يطلب سميرًا وهم ينكرون قتله ثم عرضوا عليه الدية فقبلها‏.‏

وكانت دية الحليف فيهم نصف دية النسيب منهم‏.‏

فأبى مالك إلا أخذ دية كاملة وامتنعوا من ذلك وقالوا‏:‏ نعطي دية الحليف وهي النصف‏.‏

ولج الأمر بينهم حتى آل إلى المحاربة فاجتمعوا والتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا وافترقوا‏.‏

ودخل فيها سائر بطون الأنصار ثم التقوا مرة أخرى واقتتلوا حتى حجز بينهم الليل وكان الظفر يومئذ للأوس‏.‏

فلما افترقوا أسلت الأوس إلى مالك يدعونه إلى أن يحكم بينهم المنذر ابن حرام النجاري الخزرجي جد حسان بن ثابت بن المنذر‏.‏

فأجابهم إلى ذلك فأتوا المنذر فحكم بينهم المنذر بأن يدوا كعبًا حليف مالك دية الصريح ثم يعودوا إلى سنتهم القديمة فرضوا بذلك وحملوا الدية وافترقوا وقد شبت البغضاء في نفوسهم وتمكنت العداوة بينهم‏.‏

 ذكر حرب كعب بن عمرو المازني

ثم إن بني جحجبا من الأوس وبني مازن بن النجار من الخزرج وقع بينهم حرب كان سببها أن كعب بن عمرو المازني تزوج امرأةً من بني سالم فكان يختلف إليها‏.‏

فأمر أحيحة بن الجلاح سيد بني جحجبا جماعةً فرصدوه حتى ظفروا به فقتلوه فبلغ ذلك أخاه عاصم بن عمرو فأمر قومه فاستعدوا للقتال وأرسل إلى بني جحجبا يؤذنهم بالحرب‏.‏

فالتقوا بالرحابة فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزمت بنو جحجبا ومن معهم وانهزم معهم أحيحة فطلبه عاصم بن عمرو فأدركه وقد دخل حصنه فرماه بسهم فوقع في باب الحصن فقتل عاصم أخًا لأحيحة‏.‏

فمكثوا بعد ذلك ليالي نبئت أنّك جئت تس ري بين داري والقبابة فلقد وجدت بجانب ال ضّحيان شبّانًا مهابه فتيان حربٍ في الحدي د وشامرين كأسد غابه هم نكّبوك عن الطري ق فبتّ تركب كلّ لابه أعصيم لا تجزع فإن نّ الحرب ليست بالدّعابه فأنا الذي صبّحتكم بالقوم إذى دخلوا الرّحابه وقتلت كعبًا قبلها وغلوت بالسيف الذّؤابه فأجابه عاصم‏:‏ أبلغ أحيحة إن عرضت بداره عنّي جوابه وأنا الذي أعجلته عن مقعدٍ ألهى كلابه ورميته سهمًا فأخ طأه وأغلق ثمّ بابه في أبيات‏.‏

ثم إن أحيحة أجمع أن يبيت بني النجار وعنده سلمى بنت عمرو بن زيد النجارية وهي أم عبد المطلب جد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما رضيت فلما جنها الليل وقد سهر معها أحيحة فنام فلما نام سارت إلى بني النجار فاعلمتهم ثم رجعت فحذروا وغدا أحيحة بقومه مع الفجر فلقيهم بنو النجار في السلاح فكان بينهم شيء من قتال وانحاز أحيحة وبلغه أن سلمى أخبرتهم فضربها حتى كسر يدها وأطلقها وقال أبياتًا منها‏:‏ لعمر أبيك ما يغني مكاني من الحلفاء آكلةٌ غفول تؤوّم لا تقلّص مشمعلًا مع الفتيان مضجعه ثقيل تنزّع للحليلة حيث كانت كما يعتاد لقحته الفصيل وقد أعددت للحدثان حصنًا لو أنّ المرء ينفعه العقول جلاه القين ثمّت لم تخنه مضاربه ولاطته فلول فهل من كاهن آوي إليه إذا ما حان من آلٍ نزول يراهنني ويرهنني بنيه وأرهنه بنيّ بما أقول فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغنيّ متى يعيل وما تدري وإن أجمعت أمرًا بأيّ الأرض يدركك المقيل وما تدري وإن أنتجت سقبًا لغيرك أم يكون لك الفصيل وما إن أخوةٌ كبروا وطابوا لباقية وأمّهم هبول ستشكل أو يفارقها بنوها بموتٍ أو يجيء لهم قتول وهو يوم السرارة ثم إن بني عمرو بن عوف من الأوس وبني الحارث من الخزرج كان بينهما حرب شديدة‏.‏

وكان سببها أن رجلًا من بني عمرو قتله رجل من بني الحارث فعدا بنو عمرو على القاتل فقتلوه غيلةً فاستكشف أهله فعلموا كيف قتل فتهيأوا للقتال وأرسلوا إلى بني عمرو بن عوف يؤذونهم بالحرب فالتقوا بالسرارة وعلى الأوس حضير بن سماك والد أسيد بن حضير وعلى الخزرج عبد الله بن سلول أبوى الحباب الذي كان رأس المنافقين‏.‏

فاقتتلوا قتالًا شديدًا‏.‏

صبر بعضهم لبعض أربعة أيم ثم انصرفت الأوس إلى دورها ففخرت الخزرج بذلك وقال حسان بن ثابت في ذلك‏:‏ فدىً لبني النجّار أمّي وخالتي غداة لقوهم بالمثقّفة السّمر وصرمٍ من الأحياء عمرو بن مالك إذا ما دعوا كانت لهم دعوة النصر فوا لا أنسى حياتي بلاءهم غداة رموا عمرًا بقاصمة الظهر وقال حسان أيضًا‏:‏ لعمر أبيك الخير بالحقّ ما نبا عليّ لساني في الخطوب ولا يدي فلا الجهد ينسيني حياتي وحفظتي ولا وقعات الدهر يفللن مبردي أكثّر أهلي من عيالٍ ساهم وأطوي على الماء القراح المبرّد ومنها‏:‏ وإنّي لمنجاء المطيّ على الوجى وإنّي لنزّال لما لم أعوّد وإنّي لقوّالٌ لذي اللّوث مرحبًا وأهلا إذا ما ريع من كلّ مرصد وإنّي ليدعوني الندى فأجيبه وأضرب بيض العارض المتوقّد فلا تعجلن يا قيس واربع فإنّما قصاراك أن تلقى بكلّ مهنّد حسام وأرماح بأيدي أعزّةٍ متى ترهم يا ابن الخطيم تلبّد أسود لدى الأشبال يحمي عرينها مداعيس بالخّطّي في كلّ مشهد وهي أبيات كثيرة‏.‏

فأجابه قيس بن الخطيم‏:‏ تروح عن الحسناء أم أنت مغتدي وكيف انطلاق عاشقٍ لم يزوّد تراءت لنا يوم الرحيل بمقلتي شريدٍ بملتفٍ من السّدر مفرد وجيدٍ كجيد الرّيم حالٍ يزينه على النّحر ياقوتٌ وفصّ زبرجد لنا حائطان الموت أسفل منهما وجمع متى تصرخ بيثرب يصعد ترى اللابة السوداء يحمرّ لونها ويسهل منها كلّ ربع وفدفد فإنّي لأغنى الناس عن متكلّفٍ يرى الناس ضلالًا وليس بمهتد لساء عمرًا ثورًا شقيًّا موعّظًا ألدّ كأنّ رأسه رأس أصيد كثير المنى بالزاد لا صبر عنده إذا جاع يومًا يشتكيه ضحى الغد وذي شيمةٍ عسراء خالف شيمتي فقلت له دعني ونفسك أرشد فما المال والأخلاق إلاّ معارة فما اسطعت من معروفها فتزوّد متى ما تقد بالباطل الحقّ يأبه فإن قدت بالحقّ الرواسي تنقد إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ضللت وإن تدخل من الباب تهتد وهي طويلة‏.‏

وقال عبيد بن ناقد‏:‏ لمن الديار كأنّهنّ المذهب بليت وغيّرها الدهور تقلّب يقول فيها في ذكر الوقعة‏:‏ لكن فرا أبي الحباب بنفسه يوم السّرارة سيئ منه الأقرب هي طويلة أيضًا‏.‏

وأبو الحباب هو عبد الله بن سلول‏.‏

 

حرب الحصين بن الأسلت

ثم كانت حرب بين بني وائل بن زيد الأوسيين وبين بني مازن بن النجار الخزرجيين‏.‏

وكان سببها أن الحصين بن الأسلت الأوسي الوائلي نازع رجلًا من بني مازن فقتله الوائلي ثم انصرف إلى أهله فتبعه نفر من بني مازن فقتلوه‏.‏

فبلغ ذلك أخاه أبا قيس بن الأسلت فجمع قومه وأرسل إلى بني مازن يعلمهم أنه على حربهم‏.‏

فتهيأوا للقتال ولم يتخلف من الأوس والخزرج أحد فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعًا وقتل أبو قيس بن الأسلت الذين قتلوا أخاه ثم انهزمت الأوس فلام وحوح بن الأسلت أخاه أبا قيس وقال‏:‏ لا يزال منهزمٌ من الخزرج فقال أبو قيس لأخيه ويكنى أبا حصين‏:‏ أبلغ أبا حصنٍ وبع ض القول عندي ذو كباره أنّ ابن أمّ لي س من الحديد ولا الحجارة ماذا عليكم أن يكو ن لكم بها رحلًا عماره يحمي ذماركم وبع ض القوم لا يحمي ذماره في أبيات‏.‏

 حرب ربيع الظفري

ثم كانت حرب بين بني ظفر من الأوس وبين بني مالك بن النيجار من الخزرج‏.‏

وكان سببها أن ربيعًا الظفري كان يمر في مال لرجلٍ من بني النجار إلى ملك له فمنعه النجاري فتنازعا فقتله ربيع فجمع قومهما فاقتتلوا قتالًا شديدًا كان أشد قتال بينهم فانهزمت بنو مالك بن النجار فقال قيس بن الخطيم الأوسي في ذلك‏:‏ أجدّ بعمرة غنيانها فتهجر أم شأننا شأنها فإن تمس شطّت بها دارها وباح لك اليوم هجرانها فما روضةٌ من رياض القطا كأنّ المصابيح حوذانها بأحسن منها ولا نزهة ولوج تكشّف أدجانها وعمرة من سروات النسا ء ينفح بالمسك أردانها منها‏:‏ ونحن الفوارس يومالربي ع قد علموا كيف أبدانها تراهنّ يخلجن خلج الدّلا يبادر بالنّزع أشطانها هي طويلة‏.‏

فأجابه حسان بن ثابت الخزرجي بقصيدة أولها‏:‏ لقد هاج نفسك أشجانها وغادرها اليوم أديانها ومنها‏:‏ ويثرب تعلم أنّا بها إذا التبس الحقّ ميزانها ويثرب تعلم أنّا بها إذا أقحط القطر نوآنها ويثرب تعلم إذ حاربت بأنّا لدى الحرب فرسانها ويثرب تعلم أنّ النّبي ت عند الهزاهز ذلاّنها ومنها‏:‏ متى ترنا الأوس في بيضنا نهزّ القنا تخب نيرانها وتعط القياد على رغمها وتنزل ملهام عقبانها فلا تفخرن التمس ملجًا فقد عاود الأوس أديانها حرب فارع بسبب الغلامى القضاعي ومن أيامهم يوم فارع‏.‏

وسببه أن رجلًا من بني النجار أصاب غلامًا من قضاعة ثم من بلي وكان عم الغلام جارًا لمعاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأوسي والد سعد بن معاذ فأتى الغلام عمه يزوره فقتله النجاري‏.‏

فأرسل معاذ إلى بني النجار‏:‏ أن أدفعوا إلي دية جاري أو ابعثوا إي بقاتله أرى فيه رأيي‏.‏

فأبوا أن يفعلوا‏.‏

فقال رجل من بني عبد الأشهل‏:‏ والله إن لم تفعلوا لا نقتل به إلا عامر بن الإطنابة وعامر من أشراف الخزرج فبلغ ذلك عامرًا فقال‏:‏ ألا من مبلغ الأكفاء عنّي وقد تهدى النصيحة للنصيح فإنّكم وما ترجون شطري من القول امزجّى والصريح سيندم بعضكم عجلًا عليه وما أثر اللسان إلى الجروح أبت لي عزّتي وأبى بلائي وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإعطائي على المكروه مالي وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلّما جشأت وجاشت‏:‏ مكانك تحمدي أو تستريحي لأدفع عن مآثر صالحاتٍ وأحمي بعد عن عرضٍ صحيح بذي شطبٍ كلون الملح صافٍ ونفسٍ لا تقرّ على القبيح فقال الربيع بن أبي الحقيق اليهودي في عراض قول عامر بن الإطنابة‏:‏ فلست بغائظ الأكفاء ظلمًا وعندي للملامات اجتزاء فلم أر مثل من يدنو لخسفٍ له في الأرض سير واستواء وما بعض الإقامة في ديار يهان بها الفتى إلاّ عناء وبعض القول ليس له عناجٌ كمحض الماء ليسى له إناء وبعض خلائق الأقوام داءٌ كداء الشّحّ ليس له دواء وبعض الداء ملتمسٌ شفاءً وداء النّوك ليس له شفاء يحبّ المرء أن يلقى نعيمًا ويأبى الله إلاّ ما يشاء ومن يك عاقلًا لم يلق بؤسًا ينخ يومًا بساحته القضاء تعاوره بنات الدهر حتّى تثلّمه كما ثلم الإناء وكلّ شدائدٍ نزلت بحيٍّ سيأتي بعد شدّتها رخاء فقل للمتّقي عرض المنايا‏:‏ توقّ فليس ينفعك اتّقاء فما يعطى الحريص غنىً بحرصٍ وقد ينمي لدى الجود الثراء فلما رأى معاذ بن النعمان امتناع بني النجار من الدية أو تسليم القاتل إليه تهيأ للحرب وتجهز هو وقومه واقتلوا عند فارغ وهو أطم حسان بن ثابت واشتد القتال بينهم ولم تزل الحرب بينهم حتى حمل ديته عامر بن الإطنابة‏.‏

فلما فعل صلح الذي كان بينهم وعادوا إلى أحسن ما كانوا عليه فقال عامر بن الإطنابة في ذلك‏.‏

صرمت ظليمة خلّتي ومراسلي وتباعدت ضنًّا بزاد الراحل جهلًا وما تدري ظليمة أنّني قد أستقلّ بصرم غير الواصل ذللٌ ركابي حيث شئت مشيّعي أنّي أروع قطا المكان الغافل أظليم ما يدريك ربّة خلّةٍ حسنٌ ترغّمها كظبي الحائل قد بتّ مالكها وشارب قهوةٍ درياقةٍ روّيت منها وآغلي بيضاء صافية يرى من دونها قعر الإناء يضيء وجه الناهل وسراب هاجرةٍ قطعت إذا جرى فوق الإكام بذات لونٍ باذل أجدٌ مراحلها كأنّ عفاءها سقطان من كتفي ظليمٍ جافل فلنأكلنّ بناجزٍ من مالنا ولنشربنّ بدين عامٍ قابل والخاطلين غنيّهم بفقيرهم والباذلين عطاءهم للسائل والضاربين الكبش يبرق بيضة ضرب المهنّد عن حياض الناهل والعاطفين على المصاف خيولهم والملحقين رماحهم بالقاتل والمدركين عدوّهم بذحولهم والنازلين لضرب كلّ منازل والقائلين معًا خذوا اقرانكم إنّ المنيّة من وراء الوائل خزرٍ عيونهم إلى أعدائهم يمشون مشي الأسد تحت الوابل ليسوا بأنكاسٍ ولا ميلٍ إذا ما الحرب شبّت أشعلوا بالشاعل لا يطبعون وهم على أحسابهم يشفون بالأحلام داء الجاهل والقائلين فلا يعاب خطيبهم يوم المقالة بالكلام الفاصل وإنما أثبتنا هذه الأبيات وليس فيها ذكر الوقعة لجودتها وحسنها‏.‏

 

حرب حاطب ثم كانت الوقعة المعروفة بحاطب‏‏

وهو حاطب بن قيس من بني أمية ابن زيد بن مالك بن عوف الأوسي وبينها وبين حرب سمير نحو مائة سنة‏.‏

وكان بينهما أيام ذكرنا المشهور منها وتركنا ما ليس بمشهور‏.‏

وحرب حاطب آخر وقعة كانت بينهم إلا يوم بعاث حتى جاء الله بالإسلام‏.‏

وكان سبب هذه الحرب أن حاطبًا كان رجلًا شريفًا سيدًا فأتاه رجل من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فنزل عليه ثم إنه غدا يومًا إلى سوق بني قينقاع فرآه يزيد بن الحارث المعروف بابن فسحم وهي أمه‏.‏

وهو من بني الحارث بن الخزرج‏.‏

فقال يزيد لرجل يهودي‏:‏ لك ردائي إن كسعت هذا الثعلبي‏.‏

فأخذ رداءه وكسعه كسعةً سمعها من بالسوق‏.‏

فنادى الثعلبي‏:‏ يا آل حاطب كسع ضيفك وفضح‏!‏ وأخبر حاطب بذلك فجاء إليه فسأله من كسعه فأشار إلى اليهودي فضربه حاطب بالسيف فلق هامته فأخبر ابن فسحم الخبر وقيل له‏:‏ قتل اليهودي قتله حاطب فأسرع خلف حاطب فأدركه وقد دخل بيوت أهله فلقي رجلًا من بني معاوية فقتله‏.‏

فثارت الحرب بين الأوس والخزرج واحتشدوا واجتمعوا والتقوا على جسر ردم بني الحارث بن الخزرج‏.‏

وكان على الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضي وعلى الأوس حضير بن سماك الأشهلي‏.‏

وقد كان ذهب ذكر ما وقع بينهم من الحروب فيمن حولهم من العرب فسار إليهم عببنه بنى حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري وخيار بنى مالك بن حماد الفزاري فقدما المدينة وتحدثا مع الأوس والخزرج في الصلح وضمنا أن يتحملا كل ما يدعي بعضهم على بعض فأبوا ووقعت الحرب عند الجسر وشهدها عيينة وخيار‏.‏

فشاهدا من قتالهم وشدتها ما أيسا معه من الإصلاح بينهم فكان الظفر يومئذ للخزرج‏.‏

وهذا اليوم من أشهر أيامهم وكان بعده عدة وقائع كلها من حرب حاطب فمنها‏:‏ يوم الربيع ثم التقت الأنصار بعد يوم الجسر بالربيع وهو حائط في ناحية السفح فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كاد يفني بعضهم بعضًا فانهزمت الأوس وتبعها الخزرج حتى بلغوا دورهم وكانوا قبل ذلك إذا انهزمت إحدى الطائفتين فدخلت دورهم كفت الأخرى عن اتباعهم‏.‏

فلما تبع الخزرج الأوس إلى دورهم طلبت الأوس الصلح فامتنعت بنو التجار من الخزرج عن إجابتهم‏.‏

فحصنت الأوس النساء والذراري في الآطام وهي الحصون ثم كفت عنهم الخزرج فقال صخر بن سلمان البياضي‏:‏ ألا أبلغا عنّي سويد بن صامتٍ ورهط سويدٍ بلّغا وابن الاسلت بأنّا قتلن بالربيع سراتكم وأفلت مجروحًا به كلّ مفلت فلولا حقوق في العشيرة إنّها أدلّت بحقٍ واجب إن أدلّت فأجابه سويد بن الصامت‏:‏ ألا أبلغا عنّي صخيرًا رسالةً فقد ذقت حرب الأوس فيها ابن الاسلت قتلنا سراياكم بقتلى سراتنا وليس الذي ينجو إليكم بمفلت ومنها‏:‏ يوم البقيع ثم التقت الأوس والخزرج ببقيع الغرقد فاقتتلوا قتالًا شديدًا فكان الظفر يومئذ للأوس فقال عبيد بن ناقد الأوسي‏:‏ لّما رأيت بني عوفٍ وجمعهم جاءوا وجمع بني النجّار قد حفلوا دعوت قومي وسهّلت الطريق لهم إلى المكان الذي أصحابه حللوا جادت بأنفسها من مالك عصبٌ يوم اللقاء فما خافوا ولا فشلوا وعاوروكم كؤوس الموت إذ برزوا شطر النهار وحتّى أدبر الأصل تكشّف البيض عن قتلى أولى رحمٍ لولا المسالم والأرحام ما نقولا تقول كلّ فتاةٍ غاب قيّمها‏:‏ أكلّ من خلفنا من قومنا قتلوا لقد قتلتم كريمًا ذا محافظة قد كان حالفه القينات والحلل جزلٌ نوافله حلوٌ شمائله ريّان واغله تشقى به الإبل الواغل‏:‏ الذي يدخل على القوم وهم يشربون‏.‏

فأجابه عبد الله بن رواحة الحارثي الخزرجي‏:‏ لّما رأيت بني عوفٍ وإخوتهم كعبًا وجمع بني النجّار قد حفلوا قدماّ أباحوا حماكم بالسيوف ولم يفعل بكم أحدٌ مثل الذي فعلوا وكان رئيس الأوس يومئذ في حرب حاطب أبو قيس بن الأسلت الوائلي فقام في حربهم وهجر الراحة فشحب وتغير‏.‏

وجاء يومًا إلى امرأته فأنكرته حتى عرفته بكلامه فقالت له‏:‏ لقد أنكرتك حتى تكلمت‏!‏ فقال‏:‏ قالت ولم تقصد لقيل الخنا‏:‏ مهلًا فقد أبلغت أسماعي واستنكرت لونًا له شاحبًا والحرب غولٌ ذات أوجاع من يذق الحرب يجد طعمها مرًّا وتتركه بجعجاع أسعى على جلّ بني مالك كلّ امرئ في شأنه ساعي أعددت للأعداء موضونةً فضفاضةً كالنّهي بالقاع أحفزها عنّي بذي رونق مهنّدٍ كاللمع قطّاع صدقٍ حسامٍ وادقٍ حدّه ومنحنٍ أسمر قرّاع وهي طويلة ثم إن أبا قيس بن الأسلت جمع الأوس وقال لهم‏:‏ ما كنت رئيس قوم قط إلا هزموا فرئسوا عليكم من أحببتم فرأسوا عليهم حضير الكتائب بن السماك الأشهلي وهو والد أسيد بن حضير لولده صحبةٌ وهو بدريّ فصار حضير يلي أمورهم في حروبهم‏.‏

فالتقى الأوس والخزرج بمكان يقال له الغرس فكان الظفر للأوس ثم تراسلوا في الصلح فاصطلحوا على أن يحسبوا القتلى فمن كان عليه الفضل أعطى الدية فأفضلت الأوس على الخزرج ثلاثة نفر فدفعت الخزرج ثلاثة غلمة منهم رهنًا بالديات فغدرت الأوس فقتلت الغلمان‏.‏

 يوم الفجار الأول للأنصار وليس بفجار كنانة وقيس‏‏

فلما قتلت الأوس الغلمان جمع الخزرج وحشدوا والتقوا بالحدائق وعلى الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول وعلى الأوس أبو قيس بن الأسلت فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كاد بعضهم يفنى بعضًا‏.‏

وسمى ذلك اليوم يوم الفجار لغدرهم بالغمان وهو الفجار الأول فكان قيس بن الخطيم في حائط له فانصرف فوافق قومه قد برزوا للقتال فعجز عن أخذ سلاحه إلا السيف ثم خرج معهم فعظم مقامه يومئذ وأبلى بلاء حسنًا وجرح جراحة شديدة فمكث حينًا يتداوى منها وأمر أن يحتمي عن الماء فلذلك يقول عبد الله بن رواحة‏:‏ رميناك أيّام الفجار فلم تزل حميًّا فمن يشرب فلست بشارب يوم معبس ومضرس ثم التقوا عند معبس ومضرس وهما جداران فكانت الخزرج وراء مضرس وكانت الأوس وراء معبس فأقاموا أيامًا يقتتلون قتالًا شديدًا ثم انهزمت الأوس حتى دخلت البيوت والآطام وكانت هزيمة قبيحة لم ينهزموا مثلها‏.‏

ثم إن بني عمرو بن عوف وبني أوس مناة من الأوس وادعوا الخزرج فامتنع من الموادعة بنو عبد الأشهل وبنو ظفر وغيرهم من الأوس وقالوا‏:‏ لا نصالح حتى ندرك ثأرنا من الخزرج‏.‏

فألحت الخزرج عليهم بالأذى والغارة حين وادعهم بنو عمرو بن عوف وأوس مناة فعزمت الأوس إلا من ذكرنا على الانتقال من المدينة فأغارت بنو سلمة على مال لبني عبد الأشهل يقال له الرعل فقاتلوهم عليه فجرح سعد بن معاذ الأشهلي جراحة شديدة واحتمله بنو سلمة إلى عمرو بن الجموح الخزرجي فأجاره وأجار الرعل من الحريق وقطع الأشجار فلما كان يوم بعاث جازاه سعد على نذكره إن شاء الله‏.‏

ثم سارت الأوس إلى مكة لتحالف قريشًا على الخزرج وأظهروا أنهم يريدون العمرة‏.‏

وكانت عادتهم أنه إذا أراد أحدهم العمرة أو الحج لم يعرض إليه خصمه ويعلق المعتمر على بيته كرانيف النخل‏.‏

ففعلوا ذلك وساروا إلى مكة فقدموها وحالفوا قريشًا وأبو جهل غائبٌ‏.‏

فلما قدم أنكر ذلك وقال لقريش‏:‏ أما سمعتم قول الأول‏:‏ ويل للأهل من النازل‏!‏ إنهم لأهل عدد وجلد ولقل ما نزل قوم على قوم إلا أخرجوهم من بلدهم وغلبوهم عليه‏.‏

قالوا‏:‏ فما المخرج من حلفهم قال‏:‏ أنا أكفيكموهم ثم خرج حتى جاء الأوس فقال‏:‏ إنكم حالفتم قومي وأنا غائب فجئت لأحالفكم وأذكر لكم من أمرنا ما تكونون بعده علظ على رأس أمركم‏.‏

إنا قوم تخرج إماؤنا إلى أسواقنا ولا يزال الرجل منا يدرك الأمة فيضرب عجيزتها فإن طابت أنفسكم أن تفعل نساؤكم مثل ما تفعل نساؤنا خالفناكم وإن كرهتم ذلك فردوا إلينا حلفنا‏.‏

فقالوا‏:‏ لا نقر بهذا‏.‏

وكانت الأنصار بأسرها فيهم غيرة شديدة فردوا إليهم حلفهم وساروا إلى بلادهم فقال حسان بن ثابت يفتخر بما أصاب قومه من الأوس‏:‏ ألا أبلغ أبا قيس رسولا إذا ألقى لها سمعًا تبين يدين لها العزيز إذا رآها ويهرب من مخافتها القطين تشيب الناهد العذراء منها ويسقط من مخافتها الجنين يطوف بكم من النجّار أسدٌ كأسد الغيل مسكنها العرين يظلّ الليث فيها مستكينًا تله في كلّ ملتفت أنين كأنّ بهاءها للناظريها من الأثلات والبيض الفتين كأنّهم من الماذي عليهم جمالٌ حين يجتلدون جون فقد لاقاك قبل بعاث قتلٌ وبعد بعاث ذلٌّ مستكين وهي طويلة أيضًا‏.‏

يوم الفجار الثاني للأنصار كانت الأوس قد طلبت من قريظة والنضير أن يحالفوهم على الخزرج فبلغ ذلك الخزرج فأرسلوا إليهم يؤذنونهم بالحرب فقالت اليهود‏:‏ إنا لا نريد ذلك فأخذت الخزرج رهنهم وعلى الوفاء وهم أربعون غلامًا من فريظة والنضير ثم إن يزيد بن فسحم شرب يومًا فسكر فتغنى بشعر يذكر فيه ذلك‏:‏ إذا ما امرؤٌ منهم أساء عمارة بعثنا عليهم من بني العير جادعا فأمّا الصريخ منهم فتحمّلوا وأمّا اليهود فاتخذنا بضائعا أخذنا من الأولى اليهود عصابةً لغدرهم كانوا لدينا ودائعا فذلّوا لرهنٍ عندنا في حبالنا مصانعة يخشون منّا القوارعا وذاك بأنّا حين نلقى عدوّنا نصول بضربٍ يترك العز خاشعا فبلغ قوله قريظة والنضير فغضبوا‏.‏

وقال كعب بن أسد‏:‏ نحن كما قال‏:‏ إن لم نغر فخالف الأوس على الخزرج‏.‏

فلما سمعت الخزرج بذلك قتلوا كل من عندهم من الرهن من أولاد قريظة والنضير فأطلقوا نفرًا منهم‏:‏ سليم ابن أسد القرظي جد محمد بن كعب بن سليم‏.‏

واجتمعت الأوس وقريظة والنضير على حرب الخزرج فاقتتلوا قتالًا شديدًا وسمي ذلك الفجار الثاني لقتل الغلمان من اليهود‏.‏

وقد قيل في قتل الغلمان غير هذا وهو‏:‏ إن عمرو بن النعمان البياضي الخزرجي قال لقومه بني بياضة‏:‏ إن أباكم أنزلكم منزلة سوء والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير أو أقتل رهنهم‏!‏ وكانت منازل قريظة والنضير خير البقاع فأرسل إلى قريظة والنضير‏:‏ إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم وإما أن نقتل الرهن‏.‏

فهموا بأن يخرجوا من ديارهم فقال لهم كعب بن أسد القرظي‏:‏ يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الغلمان ما هي إلا ليلةٌ يصيب فيها أحدكم امرأة حتى يولد له مثل أحدهم‏.‏

فأرسلوا إليهم إنا لا ننتقل عن ديارنا فانظروا في رهننا فعوا لنا‏.‏

فعدا عمرو ابن النعمان على رهنهم فقتلهم وخالفه عبد الله بن أبي بن سلول فقال‏:‏ هذا بغي وإثم ونهاه عن قتلهم وقتال قومه من الأوس وقال له‏:‏ كأني بك وقد حملت قتيلًا في عباءة يحملك أربعة رجال‏.‏

فلم يقتل هو ومن أطاعه أحدًا من الغلمان وأطلقوهم ومنهم‏:‏ سليم بن أسد جد محمد بن كعب‏.‏

وحالفت حينئذ قريظة والنضير الأوس على الخزرج وجرى بينهم قتال سمي ذلك اليوم يوم الفجار الثاني‏.‏

وهذا القول أشبه بأن يسمى اليوم فجارًا وأما على القول الأول فإنما قتلوا الرهن جزاء للغدر من اليهود فليس بفجار من الخزرج إلا أن يسمى فجارًا لغدر اليهود‏.‏

 

يوم بعاث

ثم إن قريظة والنضير جددوا العهود مع الأوس على الموازرة والتناصر واستحكم أمرهم وجدوا في حربهم ودخل معهم قبائل من اليهود غير من ذكرنا‏.‏

فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت وحشدت وراسلت حلفاءها من أشجع وجهينة وراسلت الأوس حلفاءها من مزينة ومكثوا أربعين يومًا يتجهزون للحرب والتقوا ببعاث وهي من أعمال قريظة وعلى الأوس حضير الكتائب بن سماك والد أسيد بن حضير وعلى الخزرج مرو بن النعمان البياضي وتخلف عبد الله بن أبي بن سلول فيمن تبعه عن الخزرج وتخلف بنو حارثة بن الحارث عن الأوس‏.‏

فلما التقوا اقتتلوا قتالًا شديدًا وصبروا جميعًا‏.‏

ثم إن الأوس وجدت مس السلاح فولوا منهزمين نحو العريض‏.‏

فلما رأى حضير هزيمتهم برك وطعن قدمه بسنان رمحه وصاح‏:‏ واعقراه كعقر الجمل‏!‏ والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا‏.‏

فعطفوا عليه وقاتل عنه غلامان منى بني عبد الأشهل يقال لهما محمود ويزيد ابنا خليفة حتى قتلا وأقبل سهم لا يدرى من رمى به فأصاب عمرو بن النعمان البياضي رئيس الخزرج فقتله فبينا عبد الله بن أبي ابن سلول يتردد راكبًا قريبًا من بعاث يتجسس الأخبار إذ طلع عليه بعمرو ابن النعمان قتيلًا في عباءة يحمله أربعة رجال كما كان قال له‏.‏

فلما رآه قال ذق وبال البغي‏!‏ وانهزمت الخزرج ووضعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائحٌ‏:‏ يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب‏!‏ فانتهوا عنهم ولم يسلبوهم‏.‏

وإنما سلبهم قريظة والنضير وحملت الأوس حضيرًا مجروحًا فمات‏.‏

وأحرقت الأوس دور الخزرج ونخيلهم فأجار سعد بن معاذ الأشهلي أموال بني سلمة ونخيلهم ودورهم جزاء بما فعلوا له في الرعل وقد تقدم ذكره ونجى يومئذٍ الزبير بن إياس بن باطا ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي أخذه فج وأطلقه وهي اليد التي جازاه بها ثابت في الإسلام